فصل: حَرْفُ الْبَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ الصّحّةِ بِالطّيبِ:

لَمّا كَانَتْ الرّائِحَةُ الطّيّبَةُ غِذَاءَ الرّوحِ وَالرّوحُ مَطِيّةُ الْقُوَى وَالْقُوَى تَزْدَادُ بِالطّيبِ وَهُوَ يَنْفَعُ الدّمَاغَ وَالْقَلْبَ وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنِيّةِ وَيُفَرّحُ الْقَلْبَ وَيَسُرّ النّفْسَ وَيَبْسُطُ الرّوحَ وَهُوَ أَصْدَقُ شَيْءٍ لِلرّوحِ وَأَشَدّهُ مُلَاءَمَةً لَهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الرّوحِ الطّيّبَةِ نِسْبَةٌ قَرِيبَةٌ. كَانَ أَحَدَ الْمَحْبُوبِينَ مِنْ الدّنْيَا إلَى أَطْيَبِ الطّيّبِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَرُدّ الطّيبَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدّهُ. فَإِنّهُ طَيّبُ الرّيحِ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدّهُ فَإِنّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ طَيّبُ الرّائِحَةِ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ: عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ اللّهَ طَيّبٌ يُحِبّ الطّيبَ نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبّ الْجُودَ فَنَظّفُوا أَفْنَاءَكُمْ وَسَاحَاتِكُمْ وَلَا تَشَبّهُوا بِالْيَهُودِ يَجْمَعُونَ الْأُكُبّ فِي دُورِهِم الْأُكُبّ الزّبَالَةُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَهُ سِكّةٌ يَتَطَيّبُ مِنْهَا وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ إنّ لِلّهِ حَقّا عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلّ سَبْعَةِ أَيّامٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ أَنْ يَمَسّ مِنْهُ وَفِي الطّيبِ مِنْ الْخَاصّيّةِ أَنّ الْمَلَائِكَةَ تُحِبّهُ وَالشّيَاطِينَ تَنْفِرُ عَنْهُ وَأَحَبّ شَيْءٍ إلَى الشّيَاطِينِ الرّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ الْكَرِيهَةُ فَالْأَرْوَاحُ الطّيّبَةُ تُحِبّ الرّائِحَةَ الطّيّبَةَ وَالْأَرْوَاحُ الْخَبِيثَةُ تُحِبّ الرّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ وَكُلّ رُوحٍ تَمِيلُ إلَى مَا يُنَاسِبُهَا فَالْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي النّسَاءِ وَالرّجَالِ فَإِنّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ وَالْمَلَابِسَ وَالرّوَائِحَ إمّا بِعُمُومِ لَفْظِهِ أَوْ بِعُمُومِ مَعْنَاهُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ صِحّةِ الْعَيْنِ:

.حِفْظُ صِحّةِ الْعَيْنِ بِالِاكْتِحَالِ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدٍ بْنِ هَوْذَةَ الْأَنْصَارِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوّحِ عِنْدَ النّوْمِ وَقَالَ لِيَتّقِهِ الصّائِمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَوّحُ الْمُطَيّبُ بِالْمِسْكِ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَتْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا ثَلَاثًا فِي كُلّ عَيْنٍ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا اكْتَحَلَ يَجْعَلُ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا يَبْتَدِئُ بِهَا وَيَخْتِمُ بِهَا وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ فَهَلْ الْوِتْرُ بِالنّسْبَةِ إلَى الْعَيْنَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فَيَكُونُ فِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَفِي هَذِهِ ثِنْتَانِ وَالْيُمْنَى أَوْلَى بِالِابْتِدَاءِ وَالتّفْضِيلِ أَوْ هُوَ بِالنّسْبَةِ إلَى كُلّ عَيْنٍ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَفِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

.فَوَائِدُ الْكُحْلِ لِلْعَيْنِ:

وَفِي الْكُحْلِ حِفْظٌ لِصِحّةِ الْعَيْنِ وَتَقْوِيَةٌ لِلنّورِ الْبَاصِرِ وَجَلَاءٌ لَهَا وَتَلْطِيفٌ لِلْمَادّةِ الرّدِيئَةِ وَاسْتِخْرَاجٌ لَهَا مَعَ الزّينَةِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَلَهُ عِنْدَ النّوْمِ مَزِيدُ فَضْلٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْكُحْلِ وَسُكُونِهَا عَقِيبَهُ عَنْ الْحَرَكَةِ الْمُضِرّةِ بِهَا وَخِدْمَةِ الطّبِيعَةِ لَهَا وَلِلْإِثْمِدِ مِنْ ذَلِكَ خَاصّيّةٌ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ فَإِنّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعْرَ وَفِي كِتَابِ أَبِي نُعَيْمٍ: فَإِنّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشّعْرِ مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ- رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا- يَرْفَعُهُ: «خَيْرُ أَكْحَالِكُمْ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعْرَ».

.فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الّتِي جَاءَتْ عَلَى لِسَانِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرَتّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ:

.حَرْفُ الْهَمْزَةِ:

.إثْمِدٌ:

هُوَ حَجَرُ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ يُؤْتَى بِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ وَهُوَ أَفْضَلُهُ وَيُؤْتَى بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا وَأَجْوَدُهُ السّرِيعُ التّفْتِيتُ الّذِي لِفُتَاتِهِ بَصِيصٌ وَدَاخِلُهُ أَمْلَسُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْسَاخِ. وَمِزَاجُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ يَنْفَعُ الْعَيْنَ وَيُقَوّيهَا وَيَشُدّ أَعْصَابَهَا وَيَحْفَظُ صِحّتَهَا وَيُذْهِبُ اللّحْمَ الزّائِدَ فِي الْقُرُوحِ وَيُدْمِلُهَا وَيُنَقّي أَوْسَاخَهَا وَيَجْلُوهَا وَيُذْهِبُ الصّدَاعَ إذَا اكْتَحَلَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ الْمَائِيّ الرّقِيقِ وَإِذَا دُقّ وَخُلِطَ بِبَعْضِ الشّحُومِ الطّرِيّةِ وَلُطّخَ عَلَى حَرْقِ النّارِ لَمْ تَعْرِضْ فِيهِ خشكريشة وَنَفَعَ مِنْ التّنَفّطِ الْحَادِثِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ أَجْوَدُ أَكْحَالِ الْعَيْنِ لَا سِيّمَا لِلْمَشَايِخِ وَاَلّذِينَ قَدْ ضَعُفَتْ أَبْصَارُهُمْ إذَا جُعِلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمِسْكِ.

.أُتْرُجّ:

ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ: عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجّةِ طَعْمُهَا طَيّبٌ وَرِيحُهَا طَيّبٌ فِي الْأُتْرُجّ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَهُوَ مُرَكّبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ قِشْرٌ وَلَحْمٌ وَحَمْضٌ وَبَزْرٌ وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِزَاجٌ يَخُصّهُ فَقِشْرُهُ حَارّ يَابِسٌ وَلَحْمُهُ حَارّ رَطْبٌ وَحَمْضُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَبَزْرُهُ حَارّ يَابِسٌ.

.مَنَافِعُ قِشْرِ الْأُتْرُجّ:

وَمِنْ مَنَافِعِ قِشْرِهِ أَنّهُ إذَا جُعِلَ فِي الثّيَابِ مَنَعَ السّوسَ وَرَائِحَتُهُ تُصْلِحُ فَسَادَ الْهَوَاءِ وَالْوَبَاءِ وَيُطَيّبُ النّكْهَةَ إذَا أَمْسَكَهُ فِي الْفَمِ وَيُحَلّلُ الرّيَاحَ وَإِذَا جُعِلَ فِي الطّعَامِ كَالْأَبَازِيرِ أَعَانَ عَلَى الْهَضْمِ. قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ: وَعُصَارَةُ قِشْرِهِ تَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْأَفَاعِي شُرْبًا وَقِشْرُهُ ضِمَادًا وَحُرَاقَةُ قِشْرِهِ طِلَاءٌ جَيّدٌ لِلْبَرَصِ. انْتَهَى.

.مَنَافِعُ لَحْمِ الْأُتْرُجّ:

وَأَمّا لَحْمُهُ فَمُلَطّفٌ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ قَامِعٌ لِلْبُخَارَاتِ الْحَارّةِ. وَقَالَ الْغَافِقِيّ: أَكْلُ لَحْمِهِ يَنْفَعُ الْبَوَاسِيرَ. انْتَهَى.

.مَنَافِعُ حَمْضِ الْأُتْرُجّ:

وَأَمّا حَمْضُهُ فَقَابِضٌ كَاسِرٌ لِلصّفْرَاءِ وَمُسَكّنٌ لِلْخَفَقَانِ الْحَارّ نَافِعٌ مِنْ الْيَرَقَانِ شُرْبًا وَاكْتِحَالًا قَاطِعٌ لِلْقَيْءِ الصّفْرَاوِيّ مُشَهّ لِلطّعَامِ عَاقِلٌ لِلطّبِيعَةِ نَافِعٌ مِنْ الْإِسْهَالِ الصّفْرَاوِيّ وَعُصَارَةُ حَمْضِهِ يُسَكّنُ غِلْمَةَ النّسَاءِ وَيَنْفَعُ طِلَاءً مِنْ الْكَلَفِ وَيَذْهَبُ بِالْقَوْبَاءِ وَيُسْتَدَلّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ فِي الْحِبْرِ إذَا وَقَعَ فِي الثّيَابِ قَلَعَهُ وَلَهُ قُوّةٌ تُلَطّفُ وَتَقْطَعُ وَتُبْرِدُ وَتُطْفِئُ حَرَارَةَ الْكَبِدِ وَتُقَوّي الْمَعِدَةَ وَتَمْنَعُ حِدّةَ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ وَتُزِيلُ الْغَمّ الْعَارِضَ مِنْهَا وَتُسَكّنُ الْعَطَشَ.

.مَنَافِعُ بَزْرِ الْأُتْرُجّ:

وَأَمّا بَزْرُهُ فَلَهُ قُوّةٌ مُحَلّلَةٌ مُجَفّفَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ: خَاصّيّةُ حَبّهِ النّفْعُ مِنْ السّمُومِ الْقَاتِلَةِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ وَزْنُ مِثْقَالٍ مُقَشّرًا بِمَاءٍ فَاتِرٍ وَطِلَاءٍ مَطْبُوخٍ. وَإِنْ دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ اللّسْعَةِ نَفَعَ وَهُوَ مُلَيّنٌ لِلطّبِيعَةِ مُطَيّبٌ لِلنّكْهَةِ وَأَكْثَرُ هَذَا الْفِعْلِ مَوْجُودٌ فِي قِشْرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ خَاصّيّةُ حَبّهِ النّفْعُ مِنْ لَسَعَاتِ الْعَقَارِبِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ وَزْنُ مِثْقَالَيْنِ مُقَشّرًا بِمَاءٍ فَاتِرٍ وَكَذَلِكَ إذَا دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ وَقَالَ غَيْرُهُ حَبّهُ يَصْلُحُ لِلسّمُومِ كُلّهَا وَهُوَ نَافِعٌ مِنْ لَدْغِ الْهَوَامّ كُلّهَا.

.قِصّةٌ عَنْ الْأُتْرُجّ:

وَذُكِرَ أَنّ بَعْضَ الْأَكَاسِرَةِ غَضِبَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَطِبّاءِ فَأَمَرَ بِحَبْسِهِمْ وَخَيّرَهُمْ أُدْمًا لَا يَزِيدُ لَهُمْ عَلَيْهِ فَاخْتَارُوا الْأُتْرُجّ فَقِيلَ لَهُمْ لِمَ اخْتَرْتُمُوهُ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَقَالُوا: لِأَنّهُ فِي الْعَاجِلِ رَيْحَانٌ وَمَنْظَرُهُ مُفْرِحٌ وَقِشْرُهُ طَيّبُ الرّائِحَةِ وَلَحْمُهُ فَاكِهَةٌ وَحَمْضُهُ أُدْمٌ وَحَبّهُ تِرْيَاقٌ وَفِيهِ دُهْنٌ.

.تَشْبِيهُ الْمُؤْمِنِ بِالْأُتْرُجّ:

وَحَقِيقٌ بِشَيْءٍ هَذِهِ مَنَافِعُهُ أَنْ يُشَبّهَ بِهِ خُلَاصَةُ الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَكَانَ بَعْضُ السّلَفِ يُحِبّ النّظَرَ إلَيْهِ لِمَا فِي مَنْظَرِهِ مِنْ التّفْرِيحِ.

.أَرُزّ:

فِيهِ حَدِيثَانِ بَاطِلَانِ مَوْضُوعَانِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ لَوْ كَانَ رَجُلًا لَكَانَ حَلِيمًا الثّانِي: كُلّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ دَاءٌ وَشِفَاءٌ إلّا الْأَرُزّ فَإِنّهُ شِفَاءٌ لَا دَاءَ فِيهِ ذَكَرْنَاهُمَا تَنْبِيهًا وَتَحْذِيرًا مِنْ نِسْبَتِهِمَا إلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَبَعْدُ فَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَهُوَ أَغْذَى الْحُبُوبِ بَعْدَ الْحِنْطَةِ وَأَحْمَدِهَا خَلْطًا يَشُدّ الْبَطْنَ شَدّا يَسِيرًا وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُدَبّغُهَا وَيَمْكُثُ فِيهَا. وَأَطِبّاءُ الْهِنْدِ تَزْعُمُ أَنّهُ أَحْمَدُ الْأَغْذِيَةِ وَأَنْفَعُهَا إذَا طُبِخَ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي خِصْبِ الْبَدَنِ وَزِيَادَةِ الْمَنِيّ وَكَثْرَةِ التّغْذِيَةِ وَتَصْفِيَةِ اللّوْنِ.

.أَرْزٌ:

بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرّاءِ وَهُوَ الصّنَوْبَرُ ذَكَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ مِنْ الزّرْعِ تُفَيّئُهَا الرّيَاحُ تُقِيمُهَا مَرّةً وَتُمِيلُهَا أُخْرَى وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الْأَرْزَةِ لَا تَزَالُ قَائِمَةً عَلَى أَصْلِهَا حَتّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرّةً وَاحِدَةً وَحَبّهُ حَارّ رَطْبٌ وَفِيهِ إنْضَاجٌ وَتَلْيِينٌ وَتَحْلِيلٌ وَلَذْعٌ يَذْهَبُ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ وَهُوَ عَسِرُ الْهَضْمِ وَفِيهِ تَغْذِيَةٌ كَثِيرَةٌ وَهُوَ جَيّدٌ لِلسّعَالِ وَلِتَنْقِيَةِ الرّئَةِ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُولِدُ مَغَصًا وَتِرْيَاقُهُ حَبّ الرّمّانِ الْمُزّ.

.إذْخِرٌ:

ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فِي مَكّةَ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا فَقَالَ لَهُ الْعَبّاس رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ إلّا الْإِذْخِرَ وَالْإِذْخِرُ حَارّ فِي الثّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى لَطِيفٌ مُفَتّحٌ لِلسّدَدِ وَأَفْوَاهِ الْعُرُوقِ يُدِرّ الْبَوْلَ وَالطّمَثَ وَيُفَتّتُ الْحَصَى وَيُحَلّلُ الْأَوْرَامَ الصّلْبَةَ فِي الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ شُرْبًا وَضِمَادًا وَأَصْلُهُ يُقَوّي عَمُودَ الْأَسْنَانِ وَالْمَعِدَةَ وَيُسَكّنُ الْغَثَيَانَ وَيَعْقِلُ الْبَطْنَ.

.حَرْفُ الْبَاءِ:

.بِطّيخٌ:

رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَأْكُلُ الْبِطّيخَ بِالرّطَبِ يَقُولُ نَكْسِرُ حَرّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هَذَا بِحَرّ هَذَا وَفِي الْبِطّيخِ عِدّةُ أَحَادِيثَ لَا يَصِحّ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَخْضَرُ وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ وَفِيهِ جَلَاءٌ وَهُوَ أَسْرَعُ انْحِدَارًا عَنْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْقِثّاءِ وَالْخِيَارِ وَهُوَ سَرِيعُ الِاسْتِحَالَةِ إلَى أَيّ خَلْطٍ كَانَ صَادَفَهُ فِي الْمَعِدَةِ وَإِذَا كَانَ آكِلُهُ مَحْرُورًا انْتَفَعَ بِهِ جِدّا وَإِنْ كَانَ مَبْرُودًا دُفِعَ ضَرَرُهُ بِيَسِيرٍ مِنْ الزّنْجَبِيلِ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَكْلُهُ قَبْلَ الطّعَامِ وَيُتْبِعُ بِهِ وَإِلّا غَثّى وَقُيّئَ وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ.

.بَلَحٌ:

رَوَى النّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا: مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلُوا الْبَلَحَ بِالتّمْرِ فَإِنّ الشّيْطَانَ إذَا نَظَرَ إلَى ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُ الْبَلَحَ بِالتّمْرِ يَقُولُ بَقِيَ ابْنُ آدَمَ حَتّى أَكَلَ الْحَدِيثَ بِالْعَتِيقِ. وَفِي رِوَايَةٍ كُلُوا الْبَلَحَ بِالتّمْرِ فَإِنّ الشّيْطَانَ يَحْزَنُ إذَا رَأَى ابْنَ آدَمَ يَأْكُلُهُ يَقُولُ عَاشَ ابْنُ آدَمَ حَتّى أَكَلَ الْجَدِيدَ بِالْخَلَقِ رَوَاهُ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَهَذَا لَفْظُهُ. قُلْت: الْبَاءُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى: مَعَ أَيْ كُلُوا هَذَا مَعَ هَذَا قَالَ بَعْضُ أَطِبّاءِ الْإِسْلَامِ إنّمَا أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَكْلِ الْبَلَحِ بِالتّمْرِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ مَعَ التّمْرِ لِأَنّ الْبَلَحَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَالتّمْرَ حَارّ رَطْبٌ فَفِي كُلّ مِنْهُمَا إصْلَاحٌ لِلْآخَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبُسْرُ مَعَ التّمْرِ فَإِنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَارّ وَإِنْ كَانَتْ حَرَارَةُ التّمْرِ أَكْثَرَ وَلَا يَنْبَغِي مِنْ جِهَةِ الطّبّ الْجَمْعُ بَيْنَ حَارّيْنِ أَوْ بَارِدَيْنِ كَمَا تَقَدّمَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التّنْبِيهُ عَلَى صِحّةِ أَصْلِ صِنَاعَةِ الطّبّ وَمُرَاعَاةِ التّدْبِيرِ الّذِي يَصْلُحُ فِي دَفْعِ كَيْفِيّاتِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَمُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الطّبّيّ الّذِي تُحْفَظُ بِهِ الصّحّةُ. وَفِي الْبَلَحِ بُرُودَةٌ وَيُبُوسَةٌ وَهُوَ يَنْفَعُ الْفَمَ وَاللّثَةَ وَالْمَعِدَةَ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلصّدْرِ وَالرّئَةِ بِالْخُشُونَةِ الّتِي فِيهِ بَطِيءٌ فِي الْمَعِدَةِ يَسِيرُ التّغْذِيَةِ وَهُوَ لِلنّخْلَةِ كَالْحِصْرِمِ لِشَجَرَةِ الْعِنَبِ وَهُمَا جَمِيعًا يُوَلّدَانِ رِيَاحًا وَقَرَاقِرَ وَنَفْخًا وَلَا سِيّمَا إذَا شُرِبَ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِمَا بِالتّمْرِ أَوْ بِالْعَسَلِ وَالزّبْدِ.

.بُسْرٌ:

ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ: أَنّ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيْهَانِ لَمّا ضَافَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا جَاءَهُمْ بِعَذْقٍ- وَهُوَ مِنْ النّخْلَةِ كَالْعُنْقُودِ مِنْ فَقَالَ لَهُ هَلّا انْتَقَيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ فَقَالَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَنْتَقُوا مِنْ بُسْرِهِ وَرُطَبِهِ. الْبُسْرُ حَارّ يَابِسٌ وَيُبْسُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَرّهِ يُنَشّفُ الرّطُوبَةَ وَيَدْبَغُ الْمَعِدَةَ وَيَحْبِسُ الْبَطْنَ وَيَنْفَعُ اللّثَةَ وَالْفَمَ وَأَنْفَعُهُ مَا كَانَ هَشّا وَحُلْوًا وَكَثْرَةُ أَكْلِهِ وَأَكْلِ الْبَلَحِ يُحْدِثُ السّدَدَ فِي الْأَحْشَاءِ.